ضمن الاتفاق بين دار فضاءات للنشر والتوزيع في الأردن والبروفسور الناقد كمال أبو ديب على نشر كتبه وأبحاثه المنشورة وغير المنشورة، صدر عن الدار كتاب أبو ديب «دفاعاً عن القرآن» باللغة الإنجليزية، وقد أنهت ترجمته إلى العربية، وبعد أن رفضت دور النشر الأوروبية نشر نسخته الإنجليزية.
يدافع الكتاب عن «القرآن» ضدّ أعداء الإسلام والنبي محمد (صلى الله عليه وسلم)، ويمتاز بدقة تحليله في تقديم الدليل لدحض حجج الباطل، القائمة على التعمية والضبابية والمغالطة والادّعاء والحقد من بعض المؤرخين الغرب، والمؤامرات المسمومة التي تنتج عنهم.
ويرى أبو ديب في كتابه أن الشهادة الأقوى على أصالة النص القرآني هي احتواؤه على عناصر سمحت للناس بالتساؤل حول أصالته. فمن الأساليب المختلفة في السُّور، إلى حقيقة أنه يُموضِع الآيات التي يقال إنها مكية في سُوَر مدنية لاحقة وبالعكس، إلى آيات ذات محتوى تشريعي تنسخ/ تُبطل آيات أخرى (الناسخ والمنسوخ)، إلى آيات تصرح بأن الله يُرشِد من يشاء إلى الصراط المستقيم ويُضل من يشاء، إلى آيات أخرى تقول بأن الناس أحرار بأن يفعلوا ما يريدون ومن ثم فإنهم سيدانون على الأعمال التي يقومون بها، إلى أسئلة إشكالية حول القراءات المتعدّدة لكثير جداً من الكلمات وكثير من الأمور الأخرى.
ويرد أبو ديب على أولئك الذين قدموا ادعاءات مضادة نتيجة اكتشافهم نسخاً أخرى من القرآن تختلف عن التي لدينا اليوم قائلاً: «سوف يكون عليهم أن يبرهنوا بما يتجاوز أي شك معقول أن ادعاءاتهم مشروعة وممكنة، وأن يقدموا برهاناً لا يمكن التساؤل بشأنه إطلاقاً على أن النسخ التي يزعمون أنهم وجدوها كانت موجودة عبر القرون، وأنها كانت متوافرة للمسلمين خلال تاريخ الإمبراطورية، وأنها كانت تنال الاعتراف كنسخ أصيلة من القرآن من قبل مجتمعات كبيرة من المؤمنين، فإنتاج نسخة من صندوق خشبي قديم في قبو شقة في نيويورك أو قبو مسجد قديم في تمبكتو هو عمل لا يثبت شيئاً، فالمزوّرون عبر التاريخ قاموا بتزوير وثائق مهمّة، ولكننا لا نصدر أحكاماً على أساس مزاعم محضة وحجج واهية عما تحتويه».
ويتصدى أبو ديب للمؤرخ «هولاند» واصفاً إياه بأحد سجناء التحامل والجهل والمزاعم المتغطرسة عن تمثيل العقلانية والشكوكية والتحليل والبحث التاريخي الواقعي، ويرى أن الخطر الدّاهم الذي يشكّله تحَدُّث هذا المؤرخ على القناة الرابعة في إنجلترا بأن يجعل المشاهد الغربي يقف أمام الإسلام كظلام خاوٍ، أو كاختراع ليس له أيّ أساس في الواقع التاريخيّ، أو كسحابة ضبابية من الذّكريات والنّوادر والصُّوَر التي اختُلِقَت كيفما اتُّفِق من قِبَل شعب بدويّ بلا علماء وباحثين ومؤمنين وفلاسفة وشعراء وذوي مواهب عظيمة فيعوم القرآن في ذهن المتلقّي كمجموعة من العبارات وشَذَرات ونِثَرٍ ألّفتها شخصيات مجهولة تعيش في أماكن مختلفة على مدى واسع من العقود والقرون، وأنّه لا يوجد أيّ دليل على الإسلام أو النبي.
ويتهم أبو ديب «هولاند» بأنه استمد معلوماته ومصادره عن الإسلام والقرآن من عشرة أشخاص من البدو الذين صرف معهم بعض الوقت (ربما يوماً وليلة فقط في صحراء وادي رم في الأردن) وهم أشخاص بسطاء من الفقراء، وربّما الأمّيين، هم المصدر الوحيد عن ماهية الإسلام بالنسبة لمن يقدِّم نفسه كمؤرِّخ يكتب عن الحضارات القديمة، ويبحث عن البرهان الرّاسخ ومصادر المعرفة التي لا يمكن التشكيك فيها والوثائق المكتوبة وأطلال الأبنية التي تقدِّم شهادات صادقة عمّن بناها وعاش فيها.
ويضيف أبو ديب: «خلال هذا المَسعى الخبيث القائم على الكلمات المتدفقة والصّور الخاطفة، يمتلك هولاند من الوقاحة ما يكفي ليخبرنا بأن لديه «القصة المكتومة للإسلام»، القصّة الصادقة والحقيقية والموثقة عنه، وعن العرب والرسول، وكامل بنية الأفكار والأفعال التي أصبحت تُعرف كتاريخ عالم إيمانيّ كامل يسكنه اليوم ما يزيد على مليار شخص، وهو الإسلام، وعن تقاليد وتراث اللغة والأدب لواحدة من أعظم أمم العالم التي ما زالت تبدع وتنتج حتى اليوم، وهي الأمة العربية».
وفي هذا الكتاب يضع أبو ديب على عاتقه مهمة دحض تأثير مثل هذا النوع من المؤرخين على ملايين البشر من المسلمين وغير المسلمين في كلّ أنحاء العالم، في الوقت الذي تبلغ فيه الأحقاد والهجمات المضادة بين المسلمين وغير المسلمين مستوى عالياً وشديد الخطورة، ليس فقط من الناحية الأيديولوجية ولكن أيضاً من الناحيتين الجسدية والعسكرية، إضافة إلى إزالة التشويش الذي قد يصيب العقول والقلوب العامرة بالإيمان، وكشف الجهل والتحامل والفبركات المنسوجة حول الإسلام والقرآن والنبي والعرب.
ويخلص أبو ديب في نهاية افتتاحيته لكتابه قائلاً: «ما يفعله دجّالو المعرفة هو تغذية الأحكام المسبقة المتحيّزة والدّوافع الأنانية عند الكثيرين في الغرب، بطاقةٍ أكثر شرّاً، لتمنحهم غطاء مزيّفاً من المشروعية الأكاديمية، وتؤجج نار كراهيتهم واستغلالهم للمعرفة التاريخية والمعاصرة».
ويؤكد أبو ديب أنه خلال تناوله للقضايا المتعلّقة بالقرآن وأصالته وسياقه الزّمنيّ وأمكنة النشوء، تجنب الاعتماد على التقاليد الشفهية للعرب والمسلمين، مقيّداً نفسه، رغم استثناءات قليلة، بالبرهان الدّاخلي المأخوذ من النصّ القرآني نفسه لرغبته في دحض الأفكار التي يطرحها دجّالو المعرفة والعلم، وبطريقة لا يرقى إليها الشكّ بقدر الإمكان.
ومن الجدير ذكره، أن كمال أبو ديب واحد من ألمع النقاد والباحثين وأعمقهم تأثيراً في الدراسات النقدية، وقد وصف بأنه أحدث ثورة جذرية في النقد العربي والثقافة العربية، واحتفل بأبحاثه الدارسون داخل العالم العربي وفي الغرب وجامعاته، وقد فاز بعدد من أرفع الجوائز العربية والعالمية ومِنَح البحث العلمي في العالم العربي والغرب.