Blog

المغارة الثانية

كتب الباحث الجزائري عمار بن طوبال عن رواية المغارة الثانية:

ملاحظات أولية حول رواية المغارة الثانية لوسيلة سناني .

كتبت وسيلة نصا حواريا بامتياز، نصا يقوم على مجموعة حكايات، تتقاطع وتلتقي لتتقاطع من جديد: ناصر، عائشة، الكاتب الانتهازي، حمامة، أمير الجماعة المسلحة، المناضلة اليسارية التي لا تعرف سوى الرفض دون فهم واضح لمعنى الرفض، المعارضة السياسية التي تدون كل يومياتها عبر الفايسبوك … وشخصيات أخرى تكشف عن بعضها البعض عبر تقنية المقابلات الحكاية التي اختارتها الكاتبة لنصها، حيث كل حكاية تضيء الحكايات الأخرى، تبرز الشخصيات وتصير أكثر وضوحا، ليس فقط عندما تحكي عن نفسها، وكل شخصية نالت مساحتها الكافية وصوتها لتقول عن نفسها ما تريد، إنما أيضا حين يحكي عنها الآخرون. تدور أحداث الرواية التي بنيت على شكل مرايا متقابلة بحيث كل شخصية ترى نفسها في عيون الآخرين وتدان من طرفهم أيضا، في الجزائر التي طلعت لتوها من سنوات دامية، إنها جزائر ما بعد الأزمة التي تنكرت للكثير من أحلامها التي اجهضت تحت وقع حرب طاحنة ومجانية، شخصية حمامة التي فقدت كل شيء دفعة واحدة، رغم أنها ظلت تقاوم من أجل العودة إلى ابنائها بعد أن خمدت هوجة الإرهاب، تشكل الصورة الرمزية للجزائر التي جرحت في العمق، وعائشة التي ولدت في الجبل من أب ارهابي وأم مغتصبة، هي نتاج تلك العشرية الدامية بكل لامبالاتها وتشوهاتها النفسية والجسدية، إنها فتاة بلا كرامة وبلا ضمير تعيش اللحظة بنفعية، فتاة لا تشعر بأي تناقض وهي تنتقل من بيت رجل إلى بيت رجل آخر في نفس اليوم، ولا تستثار انوثتها ولا كرامتها وهي تتعرض كل مرة للانتقاد بسبب شكلها غير المنسجم وثيابها غير الانيقة وتصرفاتها المستوحشة التي كسبتها من خلال عيشها لـ 15 سنة بالجبل. عائشة شخصية حيوية تمركزت حولها حكايات الأشخاص الآخرين.

المغارة الثانية رواية تقاطعات، وهي رواية اسقطاعات بامتياز بحيث يمكن لقاريء أن يعثر على المقابل الواقعي لكل الشخصيات تقريبا، كأن وسيلة لا تكتب سوى عن أشخاص تعرفهم، تجتثهم من شخصيتهم الحقيقية وتدفع بهم إلى أتون السرد لتعيد تشكيلهم من جديد وقد احتفظوا بالكثير من سماتهم الشخصية التي تسهل التعرف عليهم، واكتسبوا، كشحصيات روائية، مزيدا من التركيز على نقاط رأت الكاتبة أنها جديرة بإبرازها في شخصيتهم. الرواية تقرأ بنوايا سيئة بمجرد تجاوز فصلها الأول؛ عندما تبدأ الاسقاطات تتضح والشخصيات الواقعية تطلع تدريجيا من بين الأسطر والكلمات.

Leave a Comment

Your email address will not be published. Required fields are marked *

You may use these HTML tags and attributes:

<a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <s> <strike> <strong>

%d bloggers like this: