يبدو أنّ الكيل طفح لدى كاتبنا المكلوم، فكانت قصصه فعلاً كما يشير العنوان نقداً للعقل المتحجر الذي أفسد الحياة السياسية والإدارية والاجتماعية.. والثقافية والأدبية، وترك الشعب يعاني من الحرمان والمرارة وشظف العيش. ولم يترك الكاتب لفظة بذيئة تليق بالسياسيين “مدمري خصب الحياة” إلا استخدمها.. وهذا النقد موجّّه من خلال المغرب إلى كل الساسة العرب.. وشدّة المرارة التي يشعر بها كاتبنا نابعة أيضاً من ثقته بأنّ الإحساس عندهم مفقود، فنقده هذا أضحى نفخة في رماد أو صيحة في واد.
“نقد العقل المتحجر” مجموعة قصصية منسوجة بلغة عربية فصيحة بسيطة تكتنز معاني عميقة لتكون قريبة من كافة الشرائح المجتمعية، وأحيانا تدخر بعض المقاطع العامية في الحوار أو في الوصف، لتبرز الأسلوب الرائج في مُعْتَرَك هذا المجتمع. ولأجل تطعيم هذه المقاطع بالسخرية والاستهزاء، حتى تضفي على القصص نكهة المرح والانشراح والإثارة. ومجموعة “نقد العقل المتحجر” مكتوبة بصيغة ما يسمى بالقصة المقالة حيث تتطرق لمواضيع أغلبها تهم المجتمع وتنبش في أغواره السحيقة. أي أنها تمتح مواضيعها من قاع القضايا الاجتماعية والسياسية الشائكة، وتدور معظم أحداثها في حلقة الإشكالات العالقة التي يعاني منها المجتمع، حاملة وعيا حادا برسوباته. مجموعة قصصية تأخذ بأيدينا إلى قعْر مُجْتَمعنا المهيض، لنغوص فيه عَميقا. بتصوير لأبسط الأحداث والحيثيات وكأن الكاتب يحمل كاميرا ويتجول. وغالبية القصص تمس شريحة الشباب، الذين هم في مقتبل العمر، ويعانون من الفراغ القاتل، حيث الجنس والنبيذ والتسكع والسخط على الأوضاع الاجتماعية المزرية وعلى الواقع القاسي. وهذا ليس غريبا، لأن الكاتب هو أيضا في هذه المرحلة العمرية، يُدْرِك خباياها وخفاياها، ويعرف جيدا كيف يطرحها ويعالجها. كما في قصة “فحولة تحت الطلب”، حيث تعري الحكاية واقعا معاشا وظاهرة اكتسحت المجتمع بحيث لم يعد الرجل هو الذي يتصيد النسوة ويستغلهن بل أصبحن حتى النساء الغنيات يتصيدن الشباب العاطل الوسيم ويستغلنهم في أمور شاذة، بسبب البطالة والفقر والتهميش حيث تعشش كل الظواهر الاجتماعية المريضة، ما يولد الكثير من الأعطاب النفسية، كما في حالة التذمر في قصة “وجع الرأس” عندما يطغى الزمن بوحشيته، أمور تولد شعورا بالإحباط والخيبة وكراهية النفس الفاشلة والنفس التي يفشلها بطش الزمن.