في (هايكو الحرب) وهي قصائد اختارها وقدم لها آزاد اسكندر وصدرت عن دار فضاءات في عمان، احتفالية بهذا الفن المكثف و الموجز. وتأتي المجموعة في وقت تزداد فيه الحاجة إلى إدانة العنف والغزو وكل أنواع الحروب والاحتلال.
و قد أشارت السيدة انعام كجه جي في مقدمتها إلى هذا الموضوع و قالت : إن الحرب منذ ناغازاكي و هيروشيما ضرب من ضروب الجنون، وان الشعر و العاطفة الانسانية لا يمكنها أن تقترب من خط النار.
تشمل المختارات أكثر من ١٣٠ قصيدة لشعراء من كافة أرجاء العالم، و أهم ما يميز الاختيارات انها تمتثل جميعا لأصول فن الهايكو، بمعنى انها تقسم القصيدة إلى لوحات مركبة من ظاهرة عامة و نتيجة خاصة.
ففي قصيدة رون روس يسير الناس إلى الحرب بأعين الموتى، و لذلك إنهم لا يرون.
و في قصيدة الينكا زورمان بعد أن تعصف الرياح، تمتلئ عيون الحمقى بالرمال.
إن مثل هذا الطباق الفني الذي يحول نثر الحياة إلى حساسية شعرية ينطوي أيضا في بعض الاحيان على دراما،
فإذا كانت القصائد قصيرة و لا يسعها رسم صور حركية مفصلة فإنها تعمد لمقايضة الشعور و المشاهد بلاشعور جماعي كما في قصيدة ستيبان ميخائيلوفيتش ، حيث أن الزهور التي تحملها الأمواج تخفي تحتها في الأعماق عظام كبار المقاتلين الذين ماتوا في المعارك.
هذه القصيدة التي لا تزيد كلماتها على أصابع اليدين تتكون من ثلاث حركات اساسية:
– الزهور
– تلاطم أمواج البحر
– عظام الأموات،
و أعتقد أن فرضية كمال أبو ديب عن جدلية الخفاء و التجلي في الشعر العربي تتحقق هنا من خلال الصراع الدرامي بين المتظور و المستتر، و هذا يعني فيما يعنيه أن للهايكو بنية الشعر و حساسيته، و الايجاز مجرد أسلوب او طريقة في التعبير تميز بها أهل المشرق الأقصى عموما.
و يكفي الإشارة إلى (قصة آه كيو) الحقيقية للصيني لو شين و (البحيرة) للياباني ياسوناري كاواباتا، بينما بالمقارنة كانت أعمال بيرل باك المتخصصة بالأوضاع الاجتماعية في الصين تربو بحجمها على ما يساوي ملحمة تولستوي المعروفة (آنا كارنينا)، حتى أن الطقوس و العبادات في المشرق شاعرية و تتخذ موقفا بديهيا من المعرفة و الادراك و لا تلجأ بأية طريقة من الطرق لتحويل ماهية المطلق إلى اسطورة، بتعبير آخر انها لا تؤسطر حكاية تأسيس العالم (أو خلقه و اختراعه من العدم بلغة الميتافيزيقا) كما هو الحال في العهد القديم أو القرآن و انما تعمل إلى التأمل و الارشاد بلغة مقننة .
و لو اطلعت على (المونوسمرتي) و هو كتاب الهندوس و (الدامابادا) و هو كتاب بوذا لن تجد أية اشارة للحياة أو الواقع و يخلو الكتابان من قصص الأنبياء و الرسل.
و لا توجد و لو إشارة واحدة لطبيعة المعاناة و العذاب التي مر بها أنبياء المشرق و حكماؤه.
لقد استطاعت هذه المقتطفات أن تؤدي الغرض المرجو منها و هو إدانة الحرب و ما تنطوي عليه من تهديد للبشرية،
و إذا كانت آخر قصيدة في المجموعة و هي لروث يارو ترمز للحرب بريح هوجاء فإنها ترمز للحياة و المستقبل بلافتة تدعو للسلام و حل الخلافات بالمنطق. و كأنها تحاول أن تبشر بديانة جديدة هي ديانة مهتمة بنشر المحبة و روح التعاطف بين الشعوب.و لو اطلعت على (المونوسمرتي) و هو كتاب الهندوس و (الدامابادا) و هو كتاب بوذا لن تجد أية اشارة للحياة أو الواقع و يخلو الكتابان من قصص الأنبياء و الرسل.
و لا توجد و لو إشارة واحدة لطبيعة المعاناة و العذاب التي مر بها أنبياء المشرق و حكماؤه. لقد استطاعت هذه المقتطفات أن تؤدي الغرض المرجو منها و هو إدانة الحرب و ما تنطوي عليه من تهديد للبشرية، و إذا كانت آخر قصيدة في المجموعة و هي لروث يارو ترمز للحرب بريح هوجاء فإنها ترمز للحياة و المستقبل بلافتة تدعو للسلام و حل الخلافات بالمنطق. و كأنها تحاول أن تبشر بديانة جديدة هي ديانة مهتمة بنشر المحبة و روح التعاطف بين الشعوب.